الوضع المعقد في مصر يجعلني أقلق مما نحن مقبلون عليه. بالرغم من أن قلقي لم يتوقف يوما, بل تفاوت بين مستويات الإطمئنان و التوتر. لكن ما ألمسه أنه في إزدياد منذ بضعة أيام...بالرغم من عدم وجود شواهد قوية,لكنه أيضا دفعني لتسجيل مخاوفي لمشاركة أراء الناس.
أولا انا أصف الوضع الحالي أننا و بحمد الله قضينا على رؤوس الفساد الكبرى, و وضعنا أول تشريع شعبي بأيدينا أنه لا فساد ولا تستر على فساد بعد اليوم. و يقينا لن يكون هناك فساد بعد اليوم, و حتى إن إفترضنا توقف تأثير الثورة عند هذا الحد –و هو مستبعد- فأنا أرى أنه من ردة الفعل و بقانون القصور الذاتي, فلن نرى أباطرة فساد لعقود قادمة. لكن ما قضينا عليه هو المستوى الأعلى للفساد.
فهناك تصنيف للفساد بحسب قوة تأثير و سطوة الفاسد, فهناك مستوى الفساد الأعلى, الذي مثله الرئيس و كل من إرتبط بالحكومة و مؤسسة الرئاسة و البرلمان السابقين. و هذا المستوى هو الأكثر نفوذا و لكنه أيضا الأكثر عُـرضه للكسر لأنه تحت المجهر دوما, و هو لا يضم أعداداَ كبيرة, فمهما كثرت فهي معدودة بحكم منصبها الحساس الذي لا يتسنى للكثير الوصول اليه.
و هناك المستوى الأوسط للفساد و يمثله قيادات الصحف القومية و أبواق الإعلام الفاسد و رؤساء الشركات و الهيئات. و هذا المستوى هو الأخطر لأنه الأكثر عدداَ من سابقه و الأكثر توغلا و قدرة على التحور و التخفي, كذلك هو مستوى ينعم بقدر ليس قليل من السلطة و إمكانية الظهور الإعلامي, التي يستغلها لحمايته إن إقتضى الأمر.
ثم هناك المستوى الأسفل من الفساد, و هو الفاسد الغلبان أمثال الموظف البسيط أو مساعد الشرطة أو المدرس و من مثلهم. و هم للحق كثرة, و لكنهم الأضعف و الأقل تأثيرا, أو بالأحرى هم منفذو سياسيات الفساد على النطاق الضيق.
أما المستوى الأول فسقط بأكمله تقريبا أو سيسقط قريبا و الله أكبر. و لكن الخطورة في المستوى الثاني الذي يصعب على مجهودات الثورة وحدها أن تقتص منه, و ذلك لتعدده و توغله في العديد من المؤسسات و البؤر الفاسدة هنا و هناك... و ما يسمى حاليا بالـ(إعتصامات الفئوية) ما هي إلا تدرج طبيعي للمستوى الأعمق من الفساد, فبعد ان فرغ الناس من المستوى الأول, حتى بدأوا الإلتفات الى الثاني. و ها هي الحرب الطاحنة تدور من أقصى الوطن الى أقصاه لإسقاط المستوى الثاني, و يمكن إرجاع ما نعيشه من إنعدام أمني و خطر إقتصادي الى الحرب على المستوى الثاني التي يجب ان تنقضي سريعا. أما المستوى الأخير من الفساد, فيمكن للشعب ان يتكفل به لما يتميز من ضعف و عدم قدرة على المقاومة. بل و يمكن ان يختفي من تلقاء نفسه في حالة وجود مناخ صحي, فهم ليسوا فاسدين بالأصل, بل هم تابعين للفساد.الخلاصة أن ما زال الطريق طويلا, بل أن القضاء على الفساد ليس نهاية المطاف بل بدايته.
و نحن الآن إذا كنا قد تركنا محطة الفساد, فنحن نقف الآن في مفترق طريق بين الفوضى و النهضة, و بالرغم من إنعقاد النية و صفائها, هذا لا يضمن الوصول للنهضة ما لم تتخذ إجراءات سريعة و قوية لـتُــدير دفة البلاد نحو الإتجاه الصحيح.
و تحدث الكثيرون من رجال مصر الأفاضل عن مقترحات المراحل المقبلة, و كيف نصل إلى الإستقرار المنشود, فلن أتحدث ثانية و لن أستطيع الإضافة الى ما قاله مثلا دكتور البرادعي, و هي مقترحات رائعة و خالصة لوجه الله و الوطن و اتمنى الأخذ بها. و إنما و إسمحوا لي أن أتحدث من منظور شعبي مقترب من الأرض و يتأثر ببساطة الواقع. و هذا الواقع على بساطته, فهو الذي زلزل الكيانات التي ضربت بجذور الفساد أعواما مديدة, كذلك هذا الواقع على بساطته كان له التأثير العميق في المجتمع المصري...و المثال البسيط على ذلك أغنية (باكره إسرائيل) التي كان لها الفضل الأكبر في الإطاحة بعمرو موسى من وزارة الخارجية المصرية, و المثال الآخر هو مقتل شاب سكندري على يد مخبرين جهلة, تحول ذلك الشاب بعدها لرمز لأعظم ثورات مصر الحديثة. لذلك أرجو ألا تشعروا بسفاهة ما سأطرح, لأنه بالفعل له تأثيره الأقوى من مئات الإصلاحات و التصريحات التي قد تظهر في القريب, و قد لا تظهر. و الأهم انه يصب في إتجاه إقصاء المستوى الثاني من الفساد الذي هو الأخطر.
ما تبقى من رؤوس الفساد الأقل في المستوى تأثيره لا يقل عن تأثير أسياده, و الأمثلة كثيرة.. و لن أخشى ذكر أشخاص بعينهم في هذه الفترة الحرجة..فهناك أسامة سرايا الذي فاق كل معقول في تحوله و رياءه لمن هم في مقعد السلطة أو من يملكون الزمام, حتى أصبح كالماء لا لون له و لا طعم. و هناك مرتضى منصور الذي يطلع علينا كل حين بـما يسميه مؤتمر صحفي عالمي ليتلو علينا طرحه البغيض الممتزج بكم من الصفاقة و السذاجة السياسية التي ليس لها مثيل, و هناك ممتاز القط الذي برع في الركاكة و سذاجة الفكرة و إدمان النفاق. كذلك عبدالله كمال الذي غابت عنه أساسيات التربية و أداب الحديث. و لن أتحدث عن تامر أمين و خيري رمضان و مفيد فوزي وغيرهم كثير؟؟!! لا أريد الإطالة بالرغم من المجهود الذي أبذله لكبح جماح أفكاري التي –إن إستفاضت- ستضعني تحت طائلة القانون.
سؤالي هنا الى الدكتور يحيى الجمل باعتباره المسئول عن المؤسسات الصحفية: ماذا يفعل هؤلاء؟ لماذا ما زالوا موجودين؟ و لماذا لم يتم الإلقاء بهم الى ما يستحقونه حتى الآن؟؟ أدعوك للإنتباه يا سيدي أن هذا الشعب لم يعد يقبل بالتسويف أو أنصاف الحلول, بل أذكرك و أعضاء الحكومة الشرفاء كلهم أن السبب الرئيسي في الإطاحة بمبارك و نظامه هو البطء في الإستجابة, التي أججت نيران الثورة و رفعت سقف المطالب. و أنت رجل قانون و تعلم جيدا أن العدالة البطيئة ظالمة يا دكتور. إذن -و الكلام لعامة الناس- إن هذه الفترة لا تحتمل اي ميوعة في القرارات ولا تسويف في الأفعال, الآن زمن المواقف القوية و التاريخية, و اليوم الواحد قد يشكل فارقا كبيراَ.
أما عن فاسدي المستوى الثاني من خارج الوسط الصحفي, فأدعو جهات التحقيق لإحالتهم للتحقيق السريع بدعوى إثارة الجماهير و إشاعة الفوضى. و أدعو المجلس العسكري لتحديد إقامتهم و الحد من تأثيرهم السلبي على الناس, لما له من خطورة شديدة على الوضع الحالي للبلد. فنحن نحتاج كل مؤثر إيجابي و تحفيزي للعبور من هذه المرحلة بسلام, و لا نحتاج لمن يزيد من إثارة الناس و يحبطهم..لك ان تتخيل تأثير كلام السيد مرتضى الذي إستهزأ بالثورة الشريفة و إستخف بالشهداء عندما قال (دي مش ثورة...دي ثورة شادي و وائل)!!
لذلك الخطوات العاجلة التي أقترحها للخروج من المرحلة الحالية و الإلتفات للقادمة هي كالتالي:
1- إقالة كافة القيادات الصحفية القومية و إحلالهم سريعا بالصحفيين الصادقين ذوي الشعبية أمثال مصطفى بكري و إبراهيم عيسى و عبد الحليم قنديل, أو غيرهم ممن لا يتصل بأي صلة بالنظام السابق.
2- تقديم كافة من يهاجموا الثورة للتحقيق العاجل بدعوى العمل ضد مصلحة الدولة و إثارة الجماهير.
3- عرض تفاصيل محاكمات قيادات النظام السابق على عامة الشعب ليهدأ الناس و يتأكدوا بأعينهم من إنكسار شوكة الظلم و إقامة دولة العدل. فمن رأى ليس كمن سمع او قرأ.
4- تغيير كافة قيادات الجهاز الإعلامي و مقدمي البرامج , و إحلالهم بالشرفاء المستقلين أمثال حافظ درازي أو حمدي قنديل و جميلة إسماعيل.
و أخيرا, إذا كنا نريد إخلاء التحرير, فالسهل الممتنع هو البدء بالأسباب البسيطة التي يفهمها المواطن التي تؤدي الى الإخلاء طواعيه, و لا نلجأ للإخلاء القمعي و إلا لن يفرق هذا النظام عن سابقه, و لكن هذه المرة الصدامات ستكون أقوى و أخطر و أكبر تأثيرا...لأنها ستطول كافة أجهزة الدولة عسكرية و مدنية, و ستقطع شعرة معاوية الأخيرة لإنقاذ هذا الوطن.
إن اخطر ما يواجه الثورة حاليا هو التوقف في منتصف الطريق. فإذا توقفنا اليوم إكتفاءا بما تم, أو طالبنا بإنتظار غير مبرر, فسنتجه للفوضى كبديل للفساد. و قد نترحم على أيام مبارك الأسوأ. لذا وجب على حكام هذا الوطن سرعة التصرف.
تعليق مرتضى منصور على الثورة:
http://www.filgoal.com/Arabic/News.aspx?NewsID=76962