السبت، 26 فبراير 2011

في الشأن القبطي و المادة الثانية من الدستور


بسم الله 
من الأمور التي تؤرقني في الوطن هو المشكلات المثارة من قبل الأقليات الدينية خاصة من بعض  الأقباط. و قد رأيت أن أكتب رأيي النابع عن قناعتي و يدعمني مصلحة وطني الذي لا أرغب منه إلا ان أحبه و اعيش في كنفه و من بعدي أولادي و أحفادي
و قد اثير مؤخرا موضوع تعديل المالدة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو الديانة الرسمية للدولة, و قد أبدى بعض الأقباط تحفظهم على هذه المادة, و دعمهم بعض العلمانيين.
و قبل الدخول في هذا الموضوع يجب أن أذكر ما تم في حوار مع صديق قبطي -و هم كثيرون في حياتي و أحبهم و أحترمهم جميعا- أنه إستاء عندما وصفت الأقباط بالأقلية, و قال أن هذا الوصف بالرغم من صحته إلا ان الأقباط يروا أنهم ليسوا أقلية, بل هم في تزايد و هم قوة فاعلة و مؤثرة على مدار تاريخ مصر, و هذا في رأيي الشخصي حق لا لبس فيه . لكني شعرت بالإنزعاج مما قال و بدأت الفكرة تنمو بداخلي عن خطورة تداعيات إنكار حقيقة أقلية الأقباط في المجتمع المصري.
و عندما إستاء صديقي من هذا الوصف, قلت له أن الفرد يحمل عدة صفات بيولوجية و إجتماعية و ثقافية قد تجعله منتمي للأقلية في شأن, و للأغلبية في شأن آخر, و هذا ليس بسوء.. فأنا مثلا من الأكثرية المسلمة السنية عندما نصنف على مستوى الدين. أما إذا صنفنا على مستوى التعليم مثلا, فأنا متعلم تعليم عالي و حاصل على ماجيستير من جامعة أمريكية, بالتالي انا من الأقلية المتعلمة تعليم متميز في مصر..كذلك القبطي قد يكون من الأغلبية عندما نصنف على مستوى الصحة أو الثقافة أو الحالة الإجتماعية مثلا..و الأمثلة كثيرة.
لذلك لا حرج من الإنتماء للأقليات و لا حرج من الإعتراف به, فهو ليس بضعف أو فيه عرضة لمهانة. بل أن وجود فئات مختلفة في المجتمع هو خير دليل على صحة و تماسك هذا المجتمع, كما أنه فرصة لتعدد منابع الثقافات و بالتالي إثراءها.
لكن هناك ما يجب استيعابه و مراعاته جيدا أن حقوق الأقلية لا يجب أن تطغى على حقوق الأغلبية. هذه هي القاعدة الذهبية في أي مجتمع تختلف فئاته و تظهر به الأقليات, و هذا هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين حرية الممارسة للأقليات و محاولة السيطرة على الفئة الغالبة. فلم يكن هناك مانعا في أي فترة في مصر منذ عمرو بن العاص حتى حسني مبارك على حرية ممارسة الأقباط لشعائرهم, بل أن غالبية المسلمين المعتدلين كانوا يسعدوا بها و يشاركوا الأقباط, مثلما كان القبط يشاركوا المسلمين أعيادهم..و هذا أيضا من الصور الرائعة التي لا توجد إلا في وطني.
و لكن قد يسيء بعض المتشددين فهم هذا الود, و يرغب في زيادة مساحة الحرية أو الحقوق التي تظهر تفوق طرف على الآخر, و هنا الخطورة, لأنه عندما تغلب مصلحة الأقلية على الأغلبية, هنا يختل الميزان و تبدأ الأكثرية في استنكار هذا التميز المتزايد و الشعور بالإستقواء, فتبدأ النفوس في الغليان و تنتظر الوقت المناسب لتثور..وما اكثر الأمثلة على ذلك, بل يمكنني الجزم أنه يمكن إرجاع كل الثورات في التاريخ الحديث لعامل مشترك وحيد و هو إيثار الأقليات على الأغلبية, حدث في الثورة الفرنسية و حدث في 25 يناير و ما بينهما من ثورات.
قد حدث بالفعل أن قامت الدولة في النظام البائد بإصدار عدة قوانين تخدم أقليات غنية على حساب الأغلبية الفقيرة, فتوحشت تلك الأقليات و زادت في استحواذها على ثروات من حقوق منهوبة من الأغلبية, بل أنها تناست وجود الأغلبية و تعاملت معه كأنه كم مهمل, إلى أن جاءت  الثورة الشاملة التي طالت كافة من استفاد من هذا الوضع الظالم و ما زالت. و أترك لخيالكم تصور ما يمكن ان يحدث إذا تم تمييز الأقليات الدينية في ظل هذه ثورة قامت ولن تخمد و لن تسكت و لن تتواني على استرجاع حق مشروع.
و خلاصة بالرجوع الى طلب الأقباط بتعديل المادة الثانية من الدستور, فيمكنني إيجاز سبب رفضي لهذا في وجوب الدستور أن يكون متوافقا مع المجتمع لا مُشكلا له, فلا ينبغي للدستور أن يغير نسيج و ثقافة الشعب, بل يجب ان يستمد بنيانه و أحكامه بما يتوافق و القيم المتعارف عليها من عامة شعب و غالبيته, و هنا تكمن قوة الدستور. ثم يتبع الدستور عدد من القوانين التي تنظم المسائل الأصغر مثل إشتراطات بناء الكنائس و ما الى ذلك. أما محو الهوية الدينية من دستور مصر فلا ينبغي لها أن تتحقق, المجتمع المصري يهتم بقيمة الدين إسلاما أو مسيحية,  لذلك لا يمكن إهمال الدين او محوه من الوثيقة الأساسية المنظمة للتعامل بين أفراد الشعب. و إن هذا التغيير –لو حدث- سيكون له أثرا سلبيا في نفوس المسلمين خاصة تجاه الأقباط, قد يزداد و يتطرف إن وجد مناخا مؤيدا, كما إنه لن يحقق منفعة للأقباط. فالمعروف تاريخيا أن الأقباط عاشوا في ظل مصر المسلمة أكثر ما عاشوه في مصر المسيحية, وكل ما بني من كنائس و أديرة تم في العصر الإسلامي في مصر, و الأقباط إن يعانون في مصر في فترة سابقة, فهذا لصعوبة القوانين, و ساعدهم على هذا ضعف الدولة و سوء نظامها. و هذا يتغير الآن بفضل جهود الشعب مسلمين و أقباط, لذلك الدعوى لعقلاء الأقباط الوطنيين, لا تفسدوا الفرحة الوطنية, بل أنكم من ساهمتم في إكمال هذا النصر بإشتراككم الفعال في الثورة بالرغم من أصوات نادت بإنعزالكم, فأثبتم انكم لن تنفصلوا عن مصر مثلما كنتم دوما...
بوركتم يا أقباط مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق